هل يحمي الهوية أم يعمق الانقسام العالمي؟
يشهدُ العالمُ في السنوات الأخيرة صعودًا ملحوظًا ومثيرًا للقلق للتيارات المحافظة، في ظل أجواء تعج بالقلق من تبعات العولمة وتحديات العصر الرقمي. فقد باتت الأحزاب القومية والشعبوية المحافظة تحظى بتأييد شعبي واسع في أوروبا والولايات المتحدة، ما يفتحُ المجال أمام تساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة، وتأثيراتها على السياسات العالمية ومستقبل التعاون الدولي.
يمكن القول: إن هذا التوجه نحو المحافظة ينبع من شعور متزايد لدى قطاعات واسعة من المجتمعات بتهديد هوياتها الثقافية والاجتماعية، إلى جانب ضغوط اقتصادية ناجمة عن تغيرات سريعة في سوق العمل، وزيادة الهجرة، والأزمات المالية المتلاحقة. وقد عمقت جائحة كورونا هذه المخاوف، إذ خلّفت أزمات على مستويات عدة، ما أدى إلى تفاقم الاستقطاب السياسي. ولقد استفادت الأحزاب المحافظة من هذه الأجواء لتقديم نفسها كبديل للسياسات الليبرالية، التي يرى فيها البعض عجزًا عن تقديم حلول تحمي هوياتهم وتحقق الأمن الاقتصادي.
في أوروبا، تتقدم أحزاب اليمين المتطرف، مثل «التجمع الوطني» في فرنسا و «البديل من أجل ألمانيا» ، مُستقطبة أعدادًا متزايدة من الناخبين من خلال خطاب يركز على حماية الحدود، وتقييد الهجرة، ومعارضة العولمة. هذه الأحزاب تقدم حلولًا تتسم بالانغلاق القومي والدفاع عن «القيم الوطنية» ، مستفيدة من المخاوف بشأن تأثير الهجرة والتغيرات الديموغرافية.
وفي الولايات المتحدة، ازدهرت التيارات المحافظة والشعبوية، مستغلةً قضايا تمس صميم حياة المواطنين اليومية، مثل الهجرة، التجارة، وأهمية الصناعة المحلية. واستخدم بعض السياسيين خطابًا يعمق مخاوف الأمريكيين من «الآخر» ويؤكد على ضرورة حماية المصالح الوطنية، ما أسهم في تعزيز هذه التيارات.
لكن يبقى هنا سؤال جوهري: هل يمكن لهذه التيارات المحافظة أن تحقق الاستقرار الدائم الذي تعد به؟ أم أنها قد تؤدي إلى مزيد من الانقسامات وتعميق التوترات داخل المجتمعات؟ يرى عدد من المحللين أن هذه السياسات تعالجُ الأعراضَ دون التصدي لأسباب المشكلات الجذرية، فتجنب مواجهة تحديات العصر الكبرى، مثل التغير المناخي، والأزمات الاقتصادية، التي تتطلب تعاونًا دوليًا مستدامًا. إن سياسات الانغلاق قد تُسهم في تآكل علاقات التعاون الدولي، وتجعل الدول أقل قدرة على مواجهة التحديات المُشتركة.
وبناءً على ذلك، فإن صعود التيارات المحافظة يضع القوى الليبرالية والمجتمع المدني أمام مسؤولية تقديم رؤى بديلة وشاملة، تسعى إلى تحقيق التوازن بين الحفاظ على الهوية الوطنية والانفتاح المدروس. من بين الحلول المُمكنة تعزيز برامج إعادة تأهيل العمال المتضررين اقتصاديًا، وتشجيع المبادرات المجتمعية التي تعزز التعايش وتحد من التوترات الاجتماعية والثقافية.
الرأي الأخير…
في المحصلة، يبقى مستقبلُ الاستقرار العالمي مرهونًا بتحقيق توازن بين القيم الوطنية والحاجة إلى التعاون الدولي؛ فلا ينبغي أن يكون الماضي ملاذًا دائمًا، بل يجب أن ننظر إلى المستقبل بوعي، ساعين إلى توازن يضمن الاستقرار ويستجيب لمتطلبات العصر.
(التحديات المشتركة تحتاج جسورًا، لا جدرانًا).
إلى اللقاء في رأي آخر ،،،
Comentarios